االسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا نرى مبرراً أبداً أن يأسف المسلم وهو يتابع عشرات ومئات السخافات ، التي
يتسابق
إليها أهل الضلال طعناً في عقيدة الإسلام ، ذلك لأن عقائد المشركين لا
قواعد لها
ولا أصول ، وترتكز كلها على الأحلام وما يراه كبراءهم أثناء نومهم من
خيالات وأوهام
تصبح حقيقة ، لتسد فراغاً في نفوس وعقول وقلوب أتباع هذه العقائد
، فلا يجدون وسيلة
لشغلهم إلا بالطعن في أتم دين وأتم رسالة وأكمل رسول ، فيلهو
أتباع هذه العقائد
الفاسدة عن الاستفسار في شأن عقيدتهم ، وكان الصواب أن
يهتموا بالدعوة إلى دينهم ،
بدلاً من الاعتداء على دين المسلمين .
ومن ذلك
قولهم في القرآن الكريم ، أنه من
تعاليم ورقة ابن نوفل لرسول الله صلى الله
عليه وآله ومن تبعه ليوم الدين
.
ورقة بن نوفل
كان ورقة بن نوفل وزيد بن
عمرو بن نفيل ، قد كرها دين
قوماهما في الجاهلية ، ورغبا عنه قبل أن يبعث الله
محمد رسولاً حيناً من الدهر ،
فخرجا من مكة منطلقين إلى الشام يلتمسان العلم
والدين ، حتى إذا هبطا أدنى الشام
فلقيا اليهود ، فعرضوا عليهما دينهم فكرها
اليهودية ، وعرضت عليهم النصارى دينهم ،
فأما ورقة فتنصر ، وأما زيد بن عمرو
فكره النصرانية ، فقال له قائل من تلك الرهبان
: ما لك ولهذا الدين الذي نرى
صاحبك قد رضي به ، قال أكره النصرانية فدللني على دين
هو خير منه ، قال له
الراهب : لا أعلمه ، فقال له زيد : فإني أكِل أمري إلى الذي
خلق الأديان ، لعله
يدلني على خيرها .
فغضب الراهب وألقى الله في نفسه أن يتكلم
بخير الأديان
فقال : إنك لتلتمس يا رجل ديناً ليس يوجد اليوم في الأرض ، وقد كان
أمره فقال
له زيد بن عمرو : فإني أذكرك بالله وبنصرانيتك ومسيحك ، لما حدثتني بذلك
الدين
؟
قال الراهب : هو دين إبراهيم الخليل خليل الرحمن .
قال له زيد : وما
كان دين إبراهيم خليل الرحمن ؟
قال الراهب : كان حنيفاً مسلماً يسجد قبل
الكعبة
.
فقال زيد بن عمرو للراهب ولورقة بن نوفل : فإني أشهدكما أني على
دين إبراهيم
خليل الرحمن ، وإني مصل قبل الكعبة ، فانعت لي يا راهب بدينك
ومسيحك ، كيف كان صنيع
إبراهيم ؟
قال له الراهب : دعا إلى الله فكذبه قومه ،
وألقوه في النار فأنجاه
الله منها ، يعني فخرج منها متوجها قبل الشام ، فرزقه
الله المال والولد ، وكان يحج
الكعبة ويصلى نحوها .
فقال له زيد : فما يمنعك
يا راهب من دين إبراهيم ؟
قال
: أمور حدثت ونحن بعد على دين إبراهيم
.
فقال زيد : فإني مهاجر إلى ربي أسيح في
الأرض ، وأعبد الله ، وأصلي قِبَل
الكعبة حتى أموت على ما مات عليه خليل الرحمن
.
ففعل فساح في الأرض ورجع ابن
نوفل إلى مكة فأخبرهم الخبر فلما بلغه موت زيد بن
عمرو بكاه (تاريخ دمشق
ج63ص21)
ابن نوفل وابن عبد الله صلى الله عليه
وسلم
يجب أن نعرف ، هل
صاحَب الرسول صلى الله عليه وسلم ورقة بن نوفل ؟ وما
الفترة الزمنية التي التقي
به فيها ؟
1- إن أول لقاء بين الرسول صلى الله علية
وسلم وبينه ، كان عندما
نزلت سورة اقرأ ، كما ذكر الحديث الصحيح في البخاري وغيرة ،
ولم يتعلم على يديه
، ولم يسمع منه من قبل ، والأحاديث داله على ذلك ، وورقة كان
فاقد البصر ، شيخ
مسن لا يستطيع أن يتسلق الجبال لكي يجلس في الغار معه ويدرس له
ويعلمه .
2-
ورقة بن نوفل من المؤكد أنه توفي بعد نزول سورة اقرأ بوقت قصير جداً
، كما صرحت
الأحاديث بذلك ، والصحيح أن ورقة توفي أول ما تبدى جبريل للنبي صلى الله
عليه
وسلم (تاريخ دمشق ج63ص4) .
3- يقولون: ورقة هو الذي زوج خديجة رضي الله
عنها
ومحمد صلى الله عليه وسلم ، مع أن جميع المصادر تذكر قصة زواجهما ولا يوجد
لورقة ذكر في الموضوع ، فمن أين أتى المُدَّعِي بزعمه؟
تقول كتب السيرة أنه
لما
بلغ محمدٌ صلى الله عليه وسلم من العمر خمساً وعشرين سنة، سافر إلى بلاد
الشام
للمرَّة الثانية، في تجارةٍ تخصُّ خديجة بنت خويلد، وهي سيِّدة كانت توكل
إلى
الرجال أمر تجارتها، وقد رغبت في إسناد هذه المهمَّة إلى محمَّد صلى الله
عليه وسلم
، الَّذي عُرف بين القوم بحسن الخلق، وصدق الحديث، وأداء الأمانة،
حتَّى اشتُهِر
عنه لقب ( الصادق الأمين )، وصار موضع ثقة الناس واحترامهم. وقد
أرسلت معه خادمها
ميسرة، فذهبا واتَّجرا بمالها وربحا ربحاً وافراً، ولما
رجَعَا إلى مكَّة ، أخبر
ميسرة سيِّدته بما رأى من غرائبَ شَهِدَها بصحبته
محمَّداً صلى الله عليه وسلم في
تلك الرحلة ؛ فقد كان من شأنه أنه كلَّما
اشتدَّ الحرُّ، رأى ملَكين يظلِّلانه من
حرارة الشمس وقيظها ، فأُعجِبت خديجة
بما سمعت ، وأرسلت إليه تخطبه لنفسها وكانت في
الأربعين من عمرها ، فقبل محمَّد
صلى الله عليه وسلم وأرسل عمَّه يطلب يدها من
أهلها ثمَّ تزوجها.
4- لماذا
اختص ورقة ابن نوفل محمداً من دون البشر ، ليوكل له
مهمة ترأس كنيسة مكة بحسب
دجلهم أنه كان بمكة كنيسة ؟ ألم يكن له أبناء ، أو أخوة ،
أو أبناء أخوة ، أو
أفراد عندهم علم ، أو أكثر قرابة من محمد صلى الله عليه وسلم؟
ولماذا لم يؤلف
هو قرآناً لنفسه بدلاً من أن يعطيه لغيره ؟؟!!
5- أين نجد
السيرة الذاتية
لورقة في كتب النصارى القديمة ؟
6- كان أهل مكة وثنيين يعبدون
الأصنام ، وقد
أعرضوا عن اعتناق النصرانية لتنافرها مع العقل والفطرة ، كما أعرضوا
عن
اليهودية لأن أنَفَتَهُم وإباءهم جعلهم يرفضون فكرة شعب الله المختار التي تجعل
من معتنقي اليهودية الجدد يهوداً من الدرجة الثانية وكان عدد نصارى مكة لم يبلغ
عدد
أصابع اليد الواحدة ، وأسماؤهم في كتب السيرة النبوية ، وقد أسلموا جميعاً
ولله
الحمد)
لقد تنصر ثلاثة فقط من مكة ، وكما يحكي ابن كثير أن زيداً بن
عمرو بن
نفيل ، خرج إلى الشام هو وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وعبيد الله
بن جحش
فتنصروا إلا زيداً لم يدخل في شيء من الأديان ، بل بقي على فطرته من
عبادة الله
وحده لا شريك له ، متبعاً ما أمكنه من دين إبراهيم (البداية
والنهاية ج2 ص
243).
إذن كان ورقة ممن (تنصروا) و ليس ممن ورثوا النصرانية
.
7- بالنسبة لما
ذكر في الحديث عن ورقة في مسألة المعرفة بالإنجيل فإنة كان
يتقن العبرية كالعربية ،
فيقوم بترجمة ما تيسر أن يترجمه ويعرضه على العرب ما
قام بترجمته ، فقد ثبت أن ورقة
لم يقم بترجمة الإنجيل لأن الأمر يحتاج إلى
مجهود يفوق الشخص الواحد ولماذا يقوم
ورقة بترجمته ولم يكن في مكة غير ثلاثة من
النصارى؟
8- يقول: "ثم يموت ورقة
ويفتر الوحي؟!" ، أليس هذا دليلاً قاطعاً
أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتلقى
الوحي من الله ؟ وإلا فكيف يكون شديد
الذكاء كما قال المدعي ، ولا يفطن إلى أن
انقطاعه بعد وفاة ورقة عن تزويد
أتباعه بآيات جديدة ، سيؤدي إلى كشف عدم صدقه في أن
الله هو الذي يوحي إليه
؟
قال الزهري : فهلك ورقة بن نوفل ، قبل الوحي وقبل
إظهار النبي الدعوة
(البدء والتاريخ ج 4 ص143) .
ثم إن الوحي لم ينزل على نبي
الإسلام إلا مرة
واحدة قبل وفاة ورقة ، ومن المستحيل أن يكون عايش فترة الدعوة ،
لأنه لو كان
عايشها لأظهر إسلامه ولم يتردد في ذلك.
9- فتر الوحي لمدة قصيرة عدة
أيام ،
هنا لفتة لغوية ، وهي أن الجملة تقول "وفتر الوحي" وليس ففتر الوحي ، ويقول
علم
النحو إن حرف الواو يدل على تتابع الأحداث بالترتيب الزمني ، أي على التراخي
بمعنى: مات ورقة وبعد ذلك فتر الوحي.
أما "ففتر الوحي" فإن حرف الفاء تفيد
السببية ، بمعنى أن موت ورقة كان سبباً في انقطاع الوحي وهذا ما لم يحدث
.
حزن
النبي لوفاة ورقة
1-لأنه كان عارفاً بنبوته ، ومن أكثر الناس فهما
لها
.
2-لأنه وعده بنصره عند بداية الدعوة .
3-لأن الأمنية التي طلبها
ورقة لم
تتحقق له ولحكمة ربانية .
4- وكانت حكمة الله العظيمة حتى لا يقال
أن الذي علمه
هو ورقة بن نوفل وأنه هو الذي كان يخبره كذا.
وهذا ما يقال من
أعداء الإسلام :
من أين حصل على كل هذه المعلومات اللغوية والتاريخية والبلاغية
والعلمية .
ونعلم
جيداً أن لقاء الرسول بورقة لم يثبت غير مرة أو مرتين في
أكثر تقدير ، ولا يتعدى
الساعة من الزمن.
ولو كانت الغاية هي التعلم على يد
كاهن أو قسيس ، فكانت ملازمة
المعلم لفترة زمنية كبيرة ضرورة لا بديل لها ،
وهذا لم يحدث مع الرسول صلى الله
علية وسلم .